مارست الحكومة الاستعمارية الكثير من السياسات الترهيبية والقهرية على المثقفين والمتعلمين السودانيين (خاصة بعد ثورة ٢٤ (جمعية اللواء الابيض), الذين كانت تستوعبهم مكاتب الحكومة فور تخرجهم من كلية غردون للعمل بها, مما سهل على الحكومة مراقبة تحركاتهم بشكل دقيق والسعى الى تشتيت اي تجمعات كانت قد تثير شكهم, ادى ذلك الخناق الى دفع المثقفين لانشاء جمعيات ادبية داخل الاندية او فى منازلهم كحلقات للقراءة يستعرضون فيها ارائهم سياسية كانت او اجتماعية.
اما بالنسبة للشريحة الطلابية داخل الكلية فكان لهم نصيب الاسد من الذل والترهيب والكبت, فقد فرض عليهم ذكر اسم القبيلة التى ينتمون لها عند سؤالهم عن الجنسية في ما يختص بسجلات الكلية, والويل كل الويل لمن يكون جوابة انة سوداني, فسيكون عقابة الضرب المبرح وقد تصل عقوبتة الى الحرمان من الدراسة, زيارة على ردائة الطعام فى الداخليات, كما مورست عليهم اقسى انواع العقوبات كالجلد بالتيلة, والاعمال الشاقة كحمل الاوساخ والحجارة من طرقات الكلية والداخلية, كما منعوا من قراءة الصحف المصرية وذلك لقطع كل صلة ممكنة بمصر سوى كانت على النطاق الروحى, الوطني اوالثقافى.
مع زيادة الضغوطات بدأ بعض الطلبة بالتفكير فى الهجرة والهروب خارج الدولة (مصر-بيروت) لتلقي العلم, الفكرة التى كان يعتبرها الانجليز من اكبر الجرائم, فيقوموا بملاحقتهم بل قد تطال أيدى الانجليز اسر هؤلا الطلبة ومراقبتهم عن كثب لمنعهم من الاتصال بهم او ارسال معونات مادية لهم, زيادة على شن حملات ضد المؤيدين لهم, كرفد الطالب على كباشى ابوزيد من الكلية (قسم القضاء الشرعى) عندما كتب قصيدة فى ثناء بعض الطلبة الذين هاجروا الى مصر, والتى لم ينشر منها سوى اربع ابيات:
قفى ريح الشمال فخبرينا فمثلك من رأى الاخبار فينا
اولئك فتية بذلو قصارى ونشكر فضلهم ما قد نسينا
فى خضم هذه الاجوا الخانقة قامت الحكومة بتخفيض رواتب الكتبة والمحاسبين من ثمانية جنيهات الى خمسة ونصف, ولم يشمل هذا القرار باقى الكليات (طب,هندسة…الخ) ولاكن هذا لم يمنعهم من مساندة ذملائهم الكتبة و المحاسبين حيث اجتمع طلاب السنة النهائية والتى كانت قد شارفت على نهايتها, من دون اشراك طلبة السنة الاولة والثانية والثالثة, آملين حمايتهم من بطش الانجليز و حرمانهم من اكمال الدراسة, الذين اجتمعوا من تلقاء انفسهم وقرروا مساندتهم الكاملة لذملائهم والوقوف معهم فى وجة المستعمر.
وعند سماع مستر وليامز بهذا الاتحاد قام بجمع الطلبة فى احدى ميادين الكلية وخطب فيهم قائلا:
“من انتم؟!… من انتم حتى تنتقدوا الحكومة او حتى تقاوموا سياساتها؟ ان الحكومة تستطيع ان تفعل فيكم ما تشاء من سجن تشريد وتنكيل”
هذا الخطاب الذى زاد امتعاض الطلبة بدلا من امتصاص غضبهم, فما كان منهم الا الاجماع على الاضراب الكلى ابتدا من اليوم الذى يلية.
اعتصم الطلبة داخل داخلياتهم بصورة منظمة و باسلوب رفيع قاصدين عدم اثارة اى انواع من الشغب, وكان هذا الاسلوب بمثابة مفاجئة كبيرة للمستعمر الذى اعد سياطة لضرب هؤلا الطلبه فى الشوارع, والذى رأى بدورة ان الاسلوب الذى اتبعة الطلبة اسلوب وافد من الخارج اتهم فية المدرسيين العرب, الذين كان اغلبهم من اللبنانيين فقاموا بانهاء عقودهم, وبعد عدة ايام من الاضراب تفرق الطلبة وذهبوا الى ذويهم مواصلين فى ذلك احتجاجهم, ولكى لا يستغل المستعمر فرصة تجمعهم والغدر بهم.
قام الخريجون بالاجتماع فى نادى الخرجين بامدرمان وانتخاب لجنة تكونت من عشرة اعضاء بقيادة الشيخ احمد السيد الفيل وذلك لمساندة الطلاب, حيث قاموا بكتابة مذكرة مطالبين فيها الحكومة بتعديل مرتبات الخريجين, ورفع مستوى التعليم, والاستغناء عن خدمات كل الموظفين الاجانب غير البريطانيين واحلال السودانيين محلهم,وان تامر الحكومة الشركات الاجنبية بتعيين السودانيين بدلا من الاجانب.
وتم تسليم المذكره لحاكم السودان العام السير جون مفى, الذى بدورة اجتمع مع الشيخ احمد السيد الفيل وباقى اعضاء اللجنة, وقام بزيادة المرتبات جنية واحد فقط, كما امر بحل اللجنة فورا, وذلك تخوفا من فتح باب نقاش مستقبلى بينها وبين الحكومة وخطر هذة اللجنة فى نشر الوعى الوطنى.
بعد مضي شهرين ونصف على استمرار اضراب الطلبة, ومع استمرار مضايقة الحكومة لهم فى جميع انحاء البلاد, وتخوفا على مصير الكلية الوحيدة, اصدر كل من السيد على الميرغنى و السيد عبدالرحمن المهدى نداء وجه للطلبة لكى يعودوا الى مزاولة الدراسة, وعلى اثرة عاد طلاب الفصول الاولى والثانية والثالثة, واعتبر طلاب السنة النهائية من الخريجين وطلب منهم الانتظار حتى فتح فرص التوظيف فى المكاتب الحكومية.
والله ما اشبه الامس باليوم ولكن الشي البيوجع اكتر انو زمان كان مستعمر خارجي والان مستعمر داخلي اشد تنكيلا و واشد ارهابا
وربنا يرحمهم ان شاء الله
And this exactly what I was thinking about…. بس االفرق يين الانجليز والكيزان انو الانجليز اعطوا البلد كما اخذوا ولكن الكيزان لم ياخذ السودان منهم شئ غير الخراب والتقسيم والنهب الممنهج .
Like….. go ahead
very informative … keep it coming….